محاكاة الثقب الدودي: هل يمكن أن يساعد هذا علماء الفيزياء على توحيد الجاذبية ونظرية الكم؟
هل يقترب علماء الفيزياء من اكتشاف ”نظرية كل شيء“؟
في نوفمبر 2022، أجرى الفيزيائيون الذين يستخدمون المعالج الكمّيّ سيكامور Sycamore التابع لمجموعة غوغل Google في الولايات المتحدة عملية حسابية تعادل إرسال المادة عبر ”ثقب دودي“ Wormhole، وهو طريق مختصر عبر نسيج الزمكان Space-time. ما يعنيه هذا بالنسبة إلى الفيزياء هو موضوع مثير للجدل، لكن الفيزيائيين أنفسهم يعتقدون أنهم أظهروا طريقة للكشف عن الروابط العميقة بين نظريتين يبدو أنهما غير متوافقتين: نظرية الكم ونظرية الجاذبية التي وضعها آينشتاين.
تسود النظريتان في مجالاتهما الخاصة: نظرية الكم في عالم الذرات ومكوناتها المتناهية الصغر، ونظرية آينشتاين في عالم النجوم والكون الفائق الضخامة. ولكن خلال الانفجار الكبير (العظيم)، كان الكون فائق الحجم متناهي الصغر. لذا، إذا أردنا أن نفهم أصل كل شيء، فنحن في حاجة إلى توحيد نظرية الكم ونظرية آينشتاين في الجاذبية. المشكلة هي أنهما تبدوان غير متوافقتين في الأساس. ففي حين تستند نظرية آينشتاين إلى اليقين Certainty – حين تصف، مثلاً، المسار الدقيق لكوكب عبر الفضاء، تستند نظرية الكم إلى عدم اليقين وتصف فقط فرصة أو ”احتمال“ أن تتبع ذرة أي عدد من المسارات الممكنة عبر الفضاء.
ولكن المدهش في الأمر، أن علماء الفيزياء وجدوا علاقة محيرة بين النظريتين مما يشير إلى أنهما، على الرغم من عدم توافقهما، مجرد وجهين مختلفين لعملة واحدة.
في العام 1997، اكتشف البروفيسور خوان مالداسينا Juan Maldacena من معهد برينستون للدراسات المتقدمة Princeton’s Institute for Advanced Study أن نظرية آينشتاين في الكون ثلاثي الأبعاد هي نوع من الإسقاط الهولوغرافي لنظرية الكم التي تنطبق على الحدود ثنائية الأبعاد للكون. لكن العيب الظاهر يكمن في أن هذه الازدواجية تعمل فقط في كون له حدود، في حين نعيش في كون دائم التوسع.
لكن الأهم بالنسبة إلى الأبحاث الجارية، هو أن الفيزيائيين وجدوا أن هناك أيضاً ازدواجية بين الثقب الدودي وحوسبة Computation محددة على الحاسوب الكمّيّ. يمكن لأجهزة الحاسوب الكمّيّة أن تتفوق على الحاسوب العادي لأنها، بدلاً من معالجة البتات التي يمكن أن تمثل 0 أو 1، فإنها تتعامل مع البتات الكمية، أو كيوبتس Qubits التي يمكن أن تكون 0 و1 في الوقت نفسه. في العام 2016، اكتشف البروفيسور دانيال جافريس Daniel Jafferis ود. بينغ غاو Ping Gao ود. آرون وول Aron Wall من جامعة هارفارد Harvard University ثقباً دودياً نظرياً هو نظير عملية حوسبية معينة على جهاز حاسوب كمي.
ما يجعل كل هذا رائعاً هو أنه في العام 1935، نشر آينشتاين ورقتين بحثيتين، لم تُعتبرا أعظم مقالاته، وبدتا غير مرتبطتين كلتاهما بالأخرى حتى بالنسبة إلى آينشتاين نفسه. الأولى، مع ناثان روزين Nathan Rosen، تُعرَف باسم ’ER‘ (على اسم آينشتاين وروزن)، أظهرت أن نظريته في الجاذبية تسمح بوجود الثقوب الدودية.
أظهرت الورقة الثانية، مع بوريس بودولسكي Boris Podolsky وروزين، والمعروفة باسم ’EPR‘، أن الجسيمات تحت الذرية المولودة معاً ترتبط إلى الأبد بعد ذلك من خلال ”فعل شبحي من بُعد“، أو ”تشابك“ Entanglement: عندما يجري تشويش أحدهما، يتفاعل الآخر على الفور، حتى لو كان على الجانب الآخر من الكون. في العام 2013، توقع مالداسينا والبروفيسور ليونارد سسكيند Leonard Susskind من جامعة ستانفورد أن ER’=‘EPR’’. لذلك يمكن للجسيمات تحت الذرية أن تؤثر بعضُها في بعض على الفور لأنها متصلة بواسطة ثقب دودي.
محاكاة المادة عبْر الثقب الدودي
أخيراً أجرى جافريس وزملاؤه حوسبة كمية تعادل إرسال مادة عبر ثقب دودي. كان تحقيق ذلك رائعاً لأن حاسوب سيكامور، الموجود في قسم الذكاء الاصطناعي لدى غوغل Google Quantum AI في سانتا باربرا، بكاليفورنيا، محدود السعة – فهو يمكنه معالجة 54 كيوبت فقط – ولديه معدل خطأ كبير. ولكنهم دربوا شبكة عصبية Neural network لتقليص عدد الخطوات اللازمة في حوسبتهم بقدر كبير، مع الحفاظ على طابعها الأساسي.
أنتجت الحوسبة بالضبط الإشارة التي توقعوها لو أنها حاكت تماماً مرور المادة عبر ثقب دودي. تقول عضوة الفريق البروفيسورة ماريا سبيروبولو Maria Spiropulu التي عملت في مصادم الهادرونات الكبير في مركز الأبحاث سيرن بالقرب من جنيف، إنها كانت لحظة مثيرة مثل رؤية إشارة بوزون هيغز في العام 2012.
”الثقب الدودي في التجربة المخبرية حقيقي كما يمكن أن يحصل لو أنه وصل بين ثقبين أسودين فلكيين“
وقال سسكيند: ”من المهم أن نفهم أن التجارب من هذا النوع ليست محاكاة، وأنها تتعلق في الواقع بظواهر حقيقية… فالثقب الدودي في التجربة المخبرية حقيقي بالدرجة نفسها لو أنه كان يصل بين ثقبين أسودين في الفضاء“.
وأضاف أن ”الاهتمام الذي انصبّ بفعل التجربة على النموذج الجديد والذي مُفاده أن نظرية الكم ونظرية الجاذبية لآينشتاين، عند تفسيرهما بالمبدأ الهولوغرافي، هما الشيء نفسه تقريباً، سيسرع التحول في النموذج“.
ما يعنيه كل هذا بالنسبة إلى الفيزياء مثير للجدل. يقول البعض إنه لا يحمل لنا كثيراً بما أن التجربة تتعلق بكونٍ غير كوننا، وهو على أي حال ”نموذج لعبة“ Toy model أحادي البعد. يقول آخرون إن تجارب كهذه يمكن أن تكشف عن الروابط بين نظرية الكم ونظرية آينشتاين في الجاذبية، ويمكن أن تساعدنا على العثور على النظرية المراوغة للجاذبية الكمّيّة التي ستخبرنا كيف بدأ الكون.
ماركوس تشون Marcus Chown
ماركوس عالم فلك راديوي سابق وصحافي علمي ومؤلف ومذيع. أحدث كتاب له هو اختراق Breakthrough (منشورات: Faber & Faber)